السبت، ٢٠ فبراير ٢٠١٠

نصف حلم

وتمر من حولي جحافل البشر الكثيفة
صاخبين
تتحلق الأحزان حولي
سرب حب دافئ
يشطر الأمواج في صمت
تعتقه السنون

***
وأنا هنا
في حضرة النفس السقيمة
أستجم وأستكين
لا شيء غير الحزن يؤنس وحدتي
لا شيء غير الهم يملأ دنيتي
لا شيء غير قوافل الكلمات
والشعر الضنين

***
في حضرة النفس العليلة
تحدق الذكرى بنا
تستنطق النسمات
كبوة عشقنا
يداعبنا الحنين

***
في مستكن الليل
تنطلق الهواجس والمواجع
والأنين
في مستكن الليل يخرج عاشق
أذواه طول البين
أصمته سهام الشوق
والقلب الثخين
***
في مستكن الليل
يطلق دمعة
كم عاندته بسجنه
واليوم تنطلق الدموع
فيستكين

***
في مهرجان الكون
يغدو حبنا جرم
ويضحى شوقنا نهم
يصير الكل سجانا
يحيط القلب بسياج
التخوف والظنون

***
في مهرجان الكون
يغدو الحلم أوهاما
ويغدو العشق أصناما
ويضحى الكفر إيمانا
ويسلب من جوانحنا اليقين

***
في مهرجان الكون
تتعرى الحقائق
تسقط الأستار
عن وجه الحياة
وتستبين

***
وأنا هنا
في حضرة النيل السعيد
هو موطني
والليل والأحلام والمرسى القديم
هنا شاطئ الحلم الذي
مازال رغم القمع
رغم القهر
رغم الموت
يؤمن بالحياة
وبالحنين

***
وأنا هنا
في حضرة النيل السعيد
أنا شاهد القبر الوحيد
بل شاهد الحلم العنيد
أنا الغريب، أنا الشريد
أنا باعث الأحلام من رقداتها
أنا صوتها
أنا حزنها
أنا مطلق الفجر الوليد

***
في حضرة النيل السعيد
تشطر الذكرى فؤادي
فأغدو
نصف حيّ
نصف قلب
نصف حلم
عابث
في مستهل العمر
يلتمس المغيب
أنا نصف مخلوق عجيب
والنصف في عرف الحياة الواقعية
محض وهم مستحيل
فالناس لا ترضى
بقرص الشمس منشطرا
ووجه البدر منكسرا
ونصف الحلم
مقسوما على شطرين

***
وأنا المقسم من سنين
أمشي بنصف الوجه بساما
ونصف القلب بكاء
ونصف العين تدمع
حين تختلط السعادة بالأنين
***
وأنا الممزق
بين أحلام الغياب
وأحلام الإفاقة
عودة المهزوم
حلم الحب
حلم النصر
حلم الغد
حلم الصحو
أحلام النقاهة في دياجير الغياب
سكرات الإفاقة
بين أروقة الضباب
نصف حلم
يراودني عن الصمت الطويل
عن الذهاب
عن الرحيل
والحلم مبناه الخيال
ويعتريه النقص
في معنى الكمال
فالحلم يأبى الاكتمال
الحلم يأبى الاكتمال
***





10-12-2009

الأربعاء، ١٨ نوفمبر ٢٠٠٩

عقوق - قصة قصيرة




-"ها هو يوم جديد ينتهي"
 

قلتها لنفسي وأنا أخطو خارجأ من مبنى الجريدة التي أعمل بها وقد بلغ مني الجهد مبلغه ولم أكد أرى منظر السماء المتلبدة بالغيوم حتى أدركت أنها على وشك أن تمطر .. فأسرعت الخطى إلى السيارة العتيقة داعيا ألا تخذلني - كالعادة - في مثل هذا الجو الماطر الكئيب ..
انطلقت بالسيارة في شوارع المزدحمة بشدة في وقت الذروة والتي زادها ارتباكا الانهمار الشديد للأمطار .. إلا أنني كتنت شارد الذهن في مشاكل العمل التي لا تنتهي .. وفي حالي الذي لا يرجى له انصلاحا ؛ لم أكن أتوقع وأنا بعد طالبا في كلية الإعلام قسم صحافة أنني وبعد خمسة عشر عاما من العمل المهني الشساق ,, سينتهي بي الحال هكذا . لقد كانت الأحلام تتواثب في صدري وتكاد تذهب بعقلي كل مذهب , فأتصور نفسي أشق طريقي من نجاح إلى نجاح ومن تفوق إلى بريق ... غير أنني ارتطمت بجدار الواقع الصلب.. لم أدر كم مر من الوقت حتى وصلت إلى المبنى الذي أقطن فيه, وبصعوبة أستطعت أن أجد مكانا مناسبا لإيقاف السيارة , وترجلت منها مستحثا الخطى , وأنا أضم ياقتي معطفي قبل أن تغرقني مياه الأمطار.
كان ذلك حينما رأيت هذا المشهد , امرأة عجوز ...محنية الظهر...تخطو في وهن نحو المدخل...والأمطار تنهمر على رأسها وتسيل على تجاعيد وجهها العميقة , وتقطر من جلبابها الأسود, تسمرت في مكاني حين رأيتها , كانت قد وصلت مدخل البناية حين طلبت مني بصوت متعب أن أساعدها في صعود درجات المدخل القليلة,انتفضت من شرودي وهرعت أمد يدي نحوها وأسندها حتى صعدت وجلست على مقعد موجود هناك , فسألتها وأنا أتأمل ملامح وجهها الكالحة,
- من تريدين هنا؟؟
تأوهت لحظة وهي تمسح قطرات الماء عن وجهها ..ثم أخبرتني؛
أخبرتني عن مكتب المياه , وعن الإنذار الذي وصلها بقطع المياه عنها إذا لم تدفع المتأخرات, وعن ضيق ذات اليد التي تحاصرها....كانت كلماتها تهزني هزا... وتهدم أركان نفسي ركنا ركنا, كانت مخايل البؤس والشقاء مزروعة على ملامح هذه العجوز كأعتى ما يكون..وأفقت على صوتها وهي تطلب مني أن أرشدها إلى مكان مكتب المياه في المبنى, فقلت لها ,
-تفضلي يا "حاجه"
وقدتها دون كلمة أخرى نحو المصعد , ولم نكد نصل إلى الدور الذي فيه مكتب المياه, ولم أكد أخط خارج المصعد حتى توقفت قائلا
- ولكن المتب مغلق يا "حاجه"..
بدا عليها شعور بالصدمة..فقلت لها مواسيا..
-يبدو أننا تأخرنا قليلا
سألتني إذا كنت متأكدا من أنه المكتب المطلوب , فأجبتها ونحن نهبط بالمصعد مؤكدا ذلك, فقالت لي
-لا تؤاخذني يا بني ؛ لقد أتعبتك معي..
قالتها وانطلقت تتمتم وهي خارجة من المصعد , عن هذا الزمن الصعب الذي نعيش فيه , وعن الخمسة جنيهات التي اقترضتها من جارتها هذا الصباح لتأتي إلى هنا , وعن زوجها الذي مات وتركها وحيدة , وأولادها المسافرون الذين لا تراهم ولا يسألون عنها, والموت الذي لا يجيء قط ليريحها من هذه الدنيا المتعبة...
أخذت تبتعد وهي لازالت تردد هذه العبارات , غير عالمة التأثير الذي تحدثه في نفسي .. غير مدركة بأي مطرقة هدمت جدران عالمي ..غير شاعرة بمقدار الكراهية التي أحسست بها في هذه اللحظة نحو نفسي ونحو ذلك المجتمع البارد القاسي..المجتمع العاق الذي يفعل مثل ذلك بهذه العجوز وأمثالها...

اختفت المرأة خارج المبنى في هذه اللحظات, فانتفضت , وأدركت أنني تركتها - أنا الآخر - فجريت نحو الشارع الغارق في الأمطار وأنا أمسح من على وجهي قطرات المطر ...أو لعلها قطرات الدمع



تـــــــــــــــــــــــــــــــم



27-4-2006



الاثنين، ١٦ نوفمبر ٢٠٠٩

الغروب الأخير للحلم



إنها هناك، مرحة ، عابثة ، فاتنة ، تضحك من أعماقها، غمازتها الوردية تجلو من القلب الهموم والأحزان، تشير لي بطرف عينيها، لكي أتبعها إلى المجهول، تساومني ، وتعابثني ، وتتلاعب بقلبي المتعب، ينتفض في عروقها ريعان الشباب، ويتراكم على قلبي غبار السنون، تبتسم في وجهي فتشرق الشموس في الكون المظلم بداخلي، ثم تتعمد التجهم لي ، لكي تعابثني لا أكثر، تود أن تلاحظ ذلك التغير في روحي، تدمن مشاهدة ضحاياها يتساقطون تحت أعتابها، تحيط نفسها بهالة من الغموض، السحر ، الضجيج ، الزحام، وأنا هنا ، لا أقوى على اختراق الجموع للوصول إليها، لا أتزاحم كي أصل إلى قلبها، أكتفي بالوقوف بعيدا متطلعا إليها كالشمس التي لا تستطيع أن تقترب منها وإلا احترقت، بالطبع كثيرا ما أتأذى من النظر إليها، يحرق وهج جمالها روحي ، إلى أنني لا أستطيع أن أحول بيني وبين هذه المتعة الأخيرة، أنا هنا ، بين حصوني ، ودفاعاتي ، أنسحق في داخلي، وهي هناك تدعوني ، لكي أصير هدفا سهلا لنظراتها العابثة، وكلماتها اللاهية، تدعوني لكي أخر صريعا تحت وطأة عينيها الجميلتين.

إنها هناك ، تنبعث منها خيوط النشوة ، تستمتع بوجودها في مركز العالم وبؤرة الأبصار، يتزلف إليها المتزلفون ، ويتحاذق للوصول إليها المتحاذقون ، يستعرضون حيلهم وألاعيبهم ، يقف على أعتابها الشعراء والأدباء، يقتبسون من جمالها معاني السمو والخلود، متوسلين نظرة أو ضحكة أو إشارة ، ولكنها دائما ما تعرض عنهم، هي هناك في عليائها، ترنو إلي من بعيد ، وأنا أغض الطرف رحمة بقلبي المنهك، فأنا هنا ، في عزلتي ومنفاي، أستمتع بتفردي وغربتي، أتصنع الحزن وأتصنع الفرح، أتصنع الحب ، وأتصنع الشوق، أعيش في دنياي التي أءلفها ، وتألفني ، أستلهم من شعاعها الفضي ، قنديلا أستضيء به في ليالي المحاق الحزينة ، حيث لا قمر يؤنس وحدتي ، ولا شمس تدفئ مهجتي، أغزل من شعاعها طيفا يحوم حولي في الليالي المظلمة الطويلة، أغني له أشعاري السرية وأبوح له بعشقي المكنون، لا أستحي أن أذرف دموعي أمامه، ولا أتعفف عن التذلل له والتزلف إليه، أكون في حضرته نفسي ، لا شيء آخر ، أنا أنا ، بحمقي ودعاباتي السخيفة ، والتجاعيد البغيضة ، وصوتي المنفر حين أرغب في الغناء ، أنا أنا ، بعاداتي المستفزة ، ودخان تبغي، وبقايا أشعاري، ونفسي المدنسة بأخطاء الماضي، والندوب المتناثرة على جسدي، وآثار الحروق بروحي الثخينة.

إنها هناك، وأنا هنا على الحافة، أدور في فلكها ،وتدور في فلكي ، كالقدر المحتوم الذي لا فكاك من أسره، تفصل بيننا البحور والأمواج، وعلى أسوار حصوني يقف ذلك القارب المتهالك الذي يدعوني لكي أمتطيه، لكي نبحر سويا في رحلة لا عودة منها، رحلة في بحور عينيها الوعرة التي تكتنفها العواصف والأعاصير، وابتسامتها الرائقة، معلقة جوار سريي في سماء الغرفة تدعوني كل مساء لأن أهدم الحصن ، وأحرق أوراقي القديمة وأهجر ديني، وديدني، وأقتل جوادي المفضل برصاصة في الرأس ، وأغتال القمر المضيء في شرفتي ، و أترك عالمي هذا ، وأبحر إليها،

إنها هناك، تقف على مشارف الحصن تحرك ألويتها لتغزو ذلك العالم الخيالي الذي أفنيت عمري في تشيده ، وتحصينه، عرائس البحر المحيطة بجزيرتي الصغيرة ترفع عقيرتها بالغناء الساحر الذي يخلب اللب بصوتها هي، كي يتملكني جنون العشق ، ولأسطر أسمي في كتاب العشاق الفانين، بينما أنا هنا أتحصن بالخلود.

إنها هناك حيث ترسل نظراتها كسهام من نور لترج باب الحصن الأخير ، تخترق دفاعاتي لتصل إلى منبت الحب في جسدي لكي تفتك به، وأنا أصارع قدري المحتوم ،

إنها هناك ، لم يعد يفصل بيني وبينها سوى باب الحصن القديم، الذي أتعبته المقاومة ، واستطال عليه الأمد ، ولكن مفاتحه لم تزل بيدي وحدي ، إلا أنني لم أعد ذلك الشخص الذي يؤتمن على مملكة الأحلام الخالدة ،

ربما ذات يوم أفتح بيدي هاتين باب الحصن الأخير، وأشعل يقداحتي " الت طالما أشعلت بها لفافات تبغي" الفتيل ، وأمتطي القارب المتهالك إلى حيث عينيها اللاهيتين، ربما أفعل ذلك يوما ، إلا أنني ، وأنا أشعل الفتيل، أدرك أنني أبحر نحو الغروب الأخير، في عالم اأحلام ........

الأراجوز
8-9-2009