الاثنين، ١٦ نوفمبر ٢٠٠٩

الغروب الأخير للحلم



إنها هناك، مرحة ، عابثة ، فاتنة ، تضحك من أعماقها، غمازتها الوردية تجلو من القلب الهموم والأحزان، تشير لي بطرف عينيها، لكي أتبعها إلى المجهول، تساومني ، وتعابثني ، وتتلاعب بقلبي المتعب، ينتفض في عروقها ريعان الشباب، ويتراكم على قلبي غبار السنون، تبتسم في وجهي فتشرق الشموس في الكون المظلم بداخلي، ثم تتعمد التجهم لي ، لكي تعابثني لا أكثر، تود أن تلاحظ ذلك التغير في روحي، تدمن مشاهدة ضحاياها يتساقطون تحت أعتابها، تحيط نفسها بهالة من الغموض، السحر ، الضجيج ، الزحام، وأنا هنا ، لا أقوى على اختراق الجموع للوصول إليها، لا أتزاحم كي أصل إلى قلبها، أكتفي بالوقوف بعيدا متطلعا إليها كالشمس التي لا تستطيع أن تقترب منها وإلا احترقت، بالطبع كثيرا ما أتأذى من النظر إليها، يحرق وهج جمالها روحي ، إلى أنني لا أستطيع أن أحول بيني وبين هذه المتعة الأخيرة، أنا هنا ، بين حصوني ، ودفاعاتي ، أنسحق في داخلي، وهي هناك تدعوني ، لكي أصير هدفا سهلا لنظراتها العابثة، وكلماتها اللاهية، تدعوني لكي أخر صريعا تحت وطأة عينيها الجميلتين.

إنها هناك ، تنبعث منها خيوط النشوة ، تستمتع بوجودها في مركز العالم وبؤرة الأبصار، يتزلف إليها المتزلفون ، ويتحاذق للوصول إليها المتحاذقون ، يستعرضون حيلهم وألاعيبهم ، يقف على أعتابها الشعراء والأدباء، يقتبسون من جمالها معاني السمو والخلود، متوسلين نظرة أو ضحكة أو إشارة ، ولكنها دائما ما تعرض عنهم، هي هناك في عليائها، ترنو إلي من بعيد ، وأنا أغض الطرف رحمة بقلبي المنهك، فأنا هنا ، في عزلتي ومنفاي، أستمتع بتفردي وغربتي، أتصنع الحزن وأتصنع الفرح، أتصنع الحب ، وأتصنع الشوق، أعيش في دنياي التي أءلفها ، وتألفني ، أستلهم من شعاعها الفضي ، قنديلا أستضيء به في ليالي المحاق الحزينة ، حيث لا قمر يؤنس وحدتي ، ولا شمس تدفئ مهجتي، أغزل من شعاعها طيفا يحوم حولي في الليالي المظلمة الطويلة، أغني له أشعاري السرية وأبوح له بعشقي المكنون، لا أستحي أن أذرف دموعي أمامه، ولا أتعفف عن التذلل له والتزلف إليه، أكون في حضرته نفسي ، لا شيء آخر ، أنا أنا ، بحمقي ودعاباتي السخيفة ، والتجاعيد البغيضة ، وصوتي المنفر حين أرغب في الغناء ، أنا أنا ، بعاداتي المستفزة ، ودخان تبغي، وبقايا أشعاري، ونفسي المدنسة بأخطاء الماضي، والندوب المتناثرة على جسدي، وآثار الحروق بروحي الثخينة.

إنها هناك، وأنا هنا على الحافة، أدور في فلكها ،وتدور في فلكي ، كالقدر المحتوم الذي لا فكاك من أسره، تفصل بيننا البحور والأمواج، وعلى أسوار حصوني يقف ذلك القارب المتهالك الذي يدعوني لكي أمتطيه، لكي نبحر سويا في رحلة لا عودة منها، رحلة في بحور عينيها الوعرة التي تكتنفها العواصف والأعاصير، وابتسامتها الرائقة، معلقة جوار سريي في سماء الغرفة تدعوني كل مساء لأن أهدم الحصن ، وأحرق أوراقي القديمة وأهجر ديني، وديدني، وأقتل جوادي المفضل برصاصة في الرأس ، وأغتال القمر المضيء في شرفتي ، و أترك عالمي هذا ، وأبحر إليها،

إنها هناك، تقف على مشارف الحصن تحرك ألويتها لتغزو ذلك العالم الخيالي الذي أفنيت عمري في تشيده ، وتحصينه، عرائس البحر المحيطة بجزيرتي الصغيرة ترفع عقيرتها بالغناء الساحر الذي يخلب اللب بصوتها هي، كي يتملكني جنون العشق ، ولأسطر أسمي في كتاب العشاق الفانين، بينما أنا هنا أتحصن بالخلود.

إنها هناك حيث ترسل نظراتها كسهام من نور لترج باب الحصن الأخير ، تخترق دفاعاتي لتصل إلى منبت الحب في جسدي لكي تفتك به، وأنا أصارع قدري المحتوم ،

إنها هناك ، لم يعد يفصل بيني وبينها سوى باب الحصن القديم، الذي أتعبته المقاومة ، واستطال عليه الأمد ، ولكن مفاتحه لم تزل بيدي وحدي ، إلا أنني لم أعد ذلك الشخص الذي يؤتمن على مملكة الأحلام الخالدة ،

ربما ذات يوم أفتح بيدي هاتين باب الحصن الأخير، وأشعل يقداحتي " الت طالما أشعلت بها لفافات تبغي" الفتيل ، وأمتطي القارب المتهالك إلى حيث عينيها اللاهيتين، ربما أفعل ذلك يوما ، إلا أنني ، وأنا أشعل الفتيل، أدرك أنني أبحر نحو الغروب الأخير، في عالم اأحلام ........

الأراجوز
8-9-2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق